فصل: قال السمين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال السمين:

قوله: {أَفَرَأَيْتَ}:
عطفٌ بالفاء إيذانًا بإفادةِ التعقيبِ كأنه قيل: أَخْبَرَ أيضًا بقصة هذا الكافر عَقِيْبَ قصةِ أولئك. و{أَرَأَيْتَ} بمعنى أَخْبَرَني كما قد عَرَفْتَه. والموصولُ هو المفعول الأول، والثاني هو الجملةُ الاستفهاميةُ مِنْ قوله: {أَطَّلَعَ الغيب} و{لأُوْتَيَنَّ} جوابُ قسمٍ مضمرٍ، والجملةُ القسميةُ كلُّها في محلِّ نصبٍ بالقول.
وقوله هنا: {وَوَلدًا} وفيها {قَالُواْ اتخذ الرحمن وَلَدًا} [مريم: 88، 91]. موضعان. وفي الزخرف {إِن كَانَ للرحمن وَلَدٌ} [الآية: 81] وفي نوح {مَالُهُ وَوَلَدُهُ} [الآية: 21]. قرأ الأربعةَ الأخَوان بضم الواو وسكونِ اللام. وافقهما ابن كثير وأبو عمرو... على الذي في نوحٍ دون السورتين، والباقون وهم نافعٌ وابن عامر وعاصمٌ قرؤوا ذلك كلَّه بفتح الواو واللام. فأمَّا القراءةُ بفتحتين فواضحةٌ وهو اسمٌ مفردٌ قائمٌ مقامَ الجمع. وأمَّا قراءةُ الضمِّ والإِسكانِ، فقيل: هي كالتي قبلها في المعنى، يقال: وَلَدَ ووُلْد، كما يقال: عَرَب وعُرْب، وعَدَمَ وعُدْم. وقيل: بل هي جمع لوَلَد نحو: أَسَد وأُسْد، وأَنْشَدوا على ذلك:
ولقد رَأَيْتُ معاشرًا ** قد ثَمَّروا مالًا وَوُلْدا

وأنشدوا شاهدًا على أنَّ الوَلَدَ والوُلْد مترادِفان الآخر:
فَلَيْتَ فلانًا كان في بَطْنِ أمِّه ** وليت فلانًا كان وُلْدَ حمارِ

وقرأ عبد الله ويحيى بن يعمر {ووِلْدا} بكسر الواو، وهي لغةٌ في الوَلَد، ولا يَبْعُدُ أَنْ يكون هذا من باب الذَّبْح والرَّعْي، فيكون وِلْدٌ بمعنى مَوْلود، وكذلك في الذي بفتحتين نحو: القَبَض بمعنى المَقْبوض.
قوله: {أَطَّلَعَ}: هذه همزةُ استفهامٍ سَقَطَ من أجلها همزةُ الوصل. وقد قُرِئ بسقوطِها دَرْجًا وكَسْرِها ابتداءً على أنَّ همزةَ الاستفهام قد حُذِفَتْ لدلالةِ {أم} عليها كقوله:
لَعَمْرُكَ ما أَدْري وإن كنتُ دارِيا ** بسَبْعٍ رَمَيْنَ الجَمْرَ أم بثمانِ

واطَّلع مِنْ قولِهم: اطَّلَعَ فلانٌ الجبلَ، أي: ارتقى أَعْلاه. قال جرير:
........................... ** لا قَيْتُ مُطَّلَعَ الجِبالِ وُعُوْرا

ف {الغيبَ}، مفعول به، لا على إسقاط حرف الجر، أي: على الغيبِ، كما زعمه بعضُهم.
{كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (79)}.
قوله: {كَلاَّ}: للنحويين في هذه اللفظةِ ستةُ مذاهبَ. أحدها:- وهو مذهبُ جمهور البصريين كالخليل وسيبويه وأبي الحسن الأخفش وأبي العباس- أنها حرفُ رَدْعٍ وزَجْر، وهذا معنىً لائقٌ بها حيث وَقَعَتْ في القرآن، وما أحسنَ ما جاءَتْ في هذه الآيةِ حيث زَجَرَتْ وَرَدَعَتْ ذلك القائلَ/. والثاني:- وهو مذهبُ النَّضْر بن شميل أنها حرفُ تصديقٍ بمعنى نعم، فتكون جوابًا، ولابد حينئذٍ مِنْ أَنْ يتقدَّمَها شيءٌ لفظًا أو تقديرًا. وقد تُسْتعمل في القسم. والثالث:- وهو مذهب الكسائي وأبي بكر بن الأنباري ونصير بن يوسف وابن واصل- أنها بمعنى حقًا. والرابع- وهو مذهبُ أبي عبد الله محمد بن الباهلي- أنها رَدٌّ لما قبلها وهذا قريبٌ من معنى الرَّدْع. الخامس: أنها صلةٌ في الكلام بمعنى أي كذا قيل. وفيه نظرٌ فإنَّ أي حرفُ جوابٍ ولكنه مختصٌّ بالقسم. السادس: أنها حرفُ استفتاحٍ وهو قولُ أبي حاتم. ولتقريرِ هذه المواضعِ موضوعٌ هو أليقُ بها قد حققتُها بحمدِ الله تعالى فيه.
وقد قُرِئ هنا بالفتح والتنوين في {كَلاَّ} هذه، وتُرْوى عن أبي نُهَيْك. وسيأتي لك أن الزمخشريَّ يحكي هذه القراءةَ ويَعْزِيْها لابن نُهَيْك في قوله: {كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ} [مريم: 82] ويحكي أيضًا قراءةً بضم الكاف والتنوين، ويَعْزِيْها لابن نهيك أيضًا. فأمَّا قوله: (ابن نهيك) فليس لهم ابنُ نهيك، إنما لهم ابو نُهَيْك بالكُنْية.
وفي قراءةِ الفتحِ والتنوينِ أربعةُ اوجهٍ، أحدُها: أنه منصوبٌ على المصدرِ بفعلٍ مقدرٍ مِنْ لفظها تقديرُه: كَلُّوا كَلًا، أي: أَعْيَوْا عن الحق إعْياءً، أو كَلُّوا عن عبادةِ الله لتهاونِهم بها، من قولِ العرب: (كَلَّ السيفُ) إذا نَبا عن الضَّرْب، وكَلَّ زيد، أي: تَعِبَ. وقيل: المعنى: كَلُّوا في دَعْواهم وانقطعوا. والثاني: أنَّه مفعولٌ به بفعلٍ مقدرٍ من معنى الكلام تقديره: حَمَلُوا كَلاَّ، والكَلُّ أيضًا: الثَّقْل. تقول: فلان كَلٌّ على الناس، ومنه قوله تعالى: {وَهُوَ كَلٌّ على مَوْلاهُ} [النحل: 76] والثالث: أنَّ التنوينَ بدلٌ مِنْ ألف {كَلاَّ} وهي التي يُراد بها الرَّدْعُ والزَّجْر، فيكونُ صَرْفًا أيضًا.
قال الزمخشري: ولقائلٍ أَنْ يقول: إنْ صَحَّتْ هذه الروايةُ فهي {كَلاَّ} التي للردع، قَلَبَ الواقفُ عليها ألفَها نونًا كما في قوله: {قَوَارِيرَاْ} [الإِنسان: 15]. قال الشيخ: وهذا ليس بجيد لأنه قال: (التي للرَّدْع) والتي للرَّدْعِ حرفٌ ولا وجهَ لقَلْبِ ألفِها نونًا، وتشبيهُه ب {قواريرًا} ليس بجيدٍ لأن {قواريرًا} اسمٌ رُجِعَ به إلى أصلِه، فالتنوينُ ليس بدلًا مِنْ ألف بل هو تنوينُ الصَّرْف، وهذا الجمعُ مختلفٌ فيه: أيتحتَّم مَنْعُ صَرْفِه أم يجوز؟ قولان ومنقول أيضًا أنَّ لغةَ بعضِ العرب يصرفون ما لا يَنْصَرِفُ فهذا القولُ: إمَّا على قولِ مَنْ لا يَرَى بالتحتُّم، أو على تلك اللغة.
والرابع: أنه نعتٌ ل {آلهة} قاله ابن عطية. وفيه نظرٌ، إذ ليس المعنى على ذلك. وقد يظهر له وجهٌ: أن يكونَ قد وَصَفَ الآلهة بالكَلِّ الذي هو المصدرُ بمعنى الإِعياءُ والعَجْز، كأنه قيل: آلهةً كالَّيْنَ، أي: عاجِزين منقطعين، ولمَّا وَصَفهم بالمصدر وَحَّده.
{كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (82)}.
وروى ابن عطية والدانيُّ وغيرُه عن أبي نهيك أنه قرأ {كُلاَّ} بضم الكافِ والتنوين. وفيها تأويلان، أحدهما: أن ينتصِبَ على الحالِ، أي: سيكفرون جميعًا. كذا قَدَّره أبو البقاء واستبعدَه. والثاني: أنه منصوبٌ بفعلٍ مقدرٍ، أي: يَرْفُضون أو يَجْحَدون أو يُتْرَكُون كُلًا، قاله ابن عطية.
وحكى ابن جرير أنَّ أبا نهيك قرأ {كُلٌّ} بضم الكاف ورفع اللام منونةً على أنَّه مبتدأ، والجملةُ الفعليةُ بعد خبرُه. وظاهرُ عبارةِ هؤلاء أنه لم يُقرأ بذلك إلا في {كُلاَّ} الثانية.
وقرأ عليٌّ بن أبي طالب {ونُمِدُّ} مِنْ أمَدَّ. وقد تقدَّم القولُ في مَدَّه وأمدَّه:
قوله: {وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ} [مريم: 80] يجوز في {ما} وجهان؛ أحدهما: أَنْ تكونَ مفعولًا بها. والضميرُ في {نَرِثُه} منصوبٌ على إسقاط الخافضِ تقديرُه: ونَرِثُ منه ما يقولُه. الثاني: أن تكونَ بدلًا من الضمير في {نَرِثُه} بدلَ الاشتمال. وقدَّر بعضُهم مضافًا قبل الموصولِ، أي: نَرِثُه معنى ما يقول، أو مُسَمَّى ما يقول، وهو المال والولد؛ لأنَّ نفس القول لا يُورَّث.
و{فَرْدًا}: حال: إمَّا مقدَّرةٌ نحو: {فادخلوها خَالِدِينَ} [الزمر: 73] أو مقارنةِ، وذلك مبنيٌّ على اختلافٍ في معنى الآية مذكور في الكشاف.
والضمير في {سَيَكْفُرُونَ} يجوز أن يعودَ على الآلهةِ لأنه أقربُ مذكورٍ، ولأنَّ الضميرَ في {يكونون} أيضًا عائدٌ عليهم فقط. ومثلُه: {وَإِذَا رَأى الذين أَشْرَكُواْ شُرَكَاءَهُمْ} [النحل: 86] ثم قال: {فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ القول إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ}. وقيل: يعود على المشركين. ومثلُه قولُه: {والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23]. إلا أنَّ فيه عَدَمَ توافقِ الضمائرِ إذ الضميرُ في {يكونون} عائدٌ على الآلهة، و{بعبادتهم} مصدرٌ مضافٌ إلى فاعِلِه إنْ عاد الضميرُ في (عبادتهم) على المشركين العابدين، وإلى المفعولِ إنْ عاد إلى الآلهة.
وقوله: {ضِدًَّا} إنما وَحَّده، وإن كان خبرًا عن جَمْع، لأحدِ وجهين: إمَّا لأنَّه مصدرٌ في الأصلِ، والمصادرُ مُوَحَّدةٌ مُذَكَّرَةٌ، وإمَّا لأنه مفردٌ في معنى الجمع. قال الزمخشري: والضِّدُّ: العَوْنُ، وُحِّدَ توحيدَ «وهم يَدٌ على مَنْ سواهم» لاتفاق كلمتِهم، وأنَّهم كشيءٍ واحدٍ لفَرْطِ تَضَامَّهم وتوافُقِهم والضِّدُّ: العَوْن والمُعاوَنَة. ويقال: مِنْ أضدادكم، أي: أَعْوانكم. قيل: وسُمِّي العَوْنُ ضِدًَّا لأنه يُضادُّ مَنْ يُعاديك ويُنافيه بإعانتِك له عليه. وفي التفسير: أنَّ الضدَّ هنا الأعداءُ. وقيل: القِرْن. وقيل: البلاءُ وهذه تناسِبُ معنى الآية.
{أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83)}.
قوله: {أَزًّا}: مصدر مؤكِّدٌ والأَزُّ والأَزيز والهَزُّ والاستفزاز. قال الزمخشري: (أَخَواتٌ، وهو التَّهِييجُ وشِدَّةُ الإِزعاج). والأزُّ أيضًا: شِدَّة الصوتِ، ومنه (أَزَّ المِرْجَلُ أَزًَّا) وأَزِيْزًا: أي: غلا واشتد غَلَيانُه حتى سُمع له صوتٌ. وفي الحديث: «فكان له أَزِيز»، أي: للجِذْع حين فارقه النبيُّ صلى الله عليه وسلم. اهـ.

.قال مجد الدين الفيروزابادي:

.بصيرة في ضد:

الضِّدّان: الشيئان اللذان تحت جنس واحد، وينافى كلّ واحد منهما الآخر في أَوصافه الخاصّة، وبينهما أَبْعَد البُعْد؛ كالسّواد والبياض، والخير والشر.
ومالم يكونا تحت جنس واحد لا يقال لهما الضدّان؛ كالحَلاوة والحركة.
قالوا: والضدّ أَحد المتقابلات، فإِن المتقابلَين هما الشيئان المختلفان اللذان كلّ واحد قُبَالةَ الآخر، ولا يجتمعان في شيء واحد في وقت واحد.
وذلك أَربعة أَشياء: الضدّان؛ كالبياض والسّواد، والمتضايِفان؛ كالضِّعْف والنصف، والوجود والعدم، وكالبصر والعمى، والموجِبة والسّالبة في الأَخبار، نحو: كلّ إِنسان ههنا، وليس كل إِنسان بههنا.
وكثير من المتكلِّمين وأَهل اللغة يجعلون كلّ ذلك من المتضادّات، ويقولون: الضدّان: مالا يصحّ اجتماعهما في محلّ واحد.
وقيل: الله تعالى لا نِدّ له ولا ضِدّ له؛ لأَنَّ الندّ هو الاشتراك في الجوهر، والضدّ هو أَن يعتقب الشَّيئان المتنافيان في جنس واحد، والله تعالى منزَّه عن أَن يكون له جوهر، فإِذًا لا ضدّ له ولا نِدّ.
والضَّدِيد بمعنى الضدّ، والجميع: أَضداد، يقال: لاضدّ له ولا ضَدِيد، أَى لا نظير له ولا كُفْء له.
وقال أَبو عمرو الضِدّ: مثل الشىء، والضدّ: خلافه: (فُسّرا به) من الأَضداد.
وقوله تعالى: {وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا}، قال الفرَّاءُ: أَى عَوْنا، فلذلك وحَّده.
وقال عِكْرِمة: أَى أَعداء.
وقال الأَخفش: الضِدّ يكون واحدًا ويكون جمعًا.
وقال الأَزهرىّ: يعنى الأَصنام التي عبدها الكفَّار تكون أعوانًا على عابديها.
وضادّه، وهما متضادّان، أَى لا يجوز اجتماعهما في وقت واحد، كالليل والنَّهار. اهـ.
وقال مجد الدين الفيروزابادي:

.بصيرة في الإرسال:

وقد ورد في التنزيل على سبعة أَوجه:
الأَوّل: بمعنى التَّسليط {أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ}، {أُرْسِلُواْ عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ} أَى سُلِّطُوا.
الثَّانى: بمعنى البعث والتَّصديق: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا}، {أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا}.
الثالث: بمعنى الفتح: {وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ}.
الرّابع: بمعنى الإِخراج: {إِنَّا مُرْسِلُواْ النَّاقَةِ} أَى مخرجوها.
الخامس: بمعنى التَّوجيه: {فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ فِي الْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ} أَى وجّه، {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا}.
السّادس: بمعنى الاطلاق من العذاب: {أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ}.
السّابع: بمعنى إِنزال المَطَر: {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَارًا}.
وأَصل الرّسْل الانبعاث على التؤدة، ناقة رَسْلة: سهلة السّير، وإِبل مَرَاسيل: منبعثة انبعاثًا سهْلًا.
وسيأْتى في باب الرّاءِ تمامُه إِن شَاء الله تعالى. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77)}.
أخْبِرْ بقصة ذلك الكافر الذي قال بيمين- من غير حجة- لأُعْطيَنَّ مالًا وولدًا، ورأى أن يكون ليمينه تصديق، فهل هو: {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78)}.
هل يقول ما يقول بتعريفِ منا؟ أم هل اتخذ مع الله عهدًا؟ ليس الأمركذلك ودليل الخطاب يقتضي أن المؤمن إذا ظن بالله تعالى ظنًا جميلًا، أو أمَّلَ منه أشياء كثيرة فالله تعالى يحققها له، ويَصْدُقُ ظَنُّه لأنه على عهد مع الله تعالى، والله تعالى لا يخلف عهده.
{كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (79)}.
كلا... ليس الأمر على ما يقول، وليس لقولهم تحقيق، بل سنمد لهم من العذاب مدًا أي سنطيل في العذاب مدتهم.
{وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ} لن نُمَتِّعَه بأولاده وَحَشمِه وخَدَمهِ وقَوْمه، ويعود إلينا منفردًا عنهم.
{وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (81)}.
حكموا بظنهم الفاسدِ أنَّ أصنامَهم تمنعهم، وأنَّ ما عبدوه من دون الله تعالى توجِبُ عبادتهم لهم عند الله تعالى وسيلةً... وهيهات! هيهات أن تكون لمغاليط حسبانهم تحقيق، بل إذا حُشِرُوا وحُشِرَتْ أصنامُهم تَبَرَّأَتْ أصنامُهم منهم، وما أمَّلُوا نفعًا منها عاد ضررًا عليهم.
ويقال طلبوا العِزَّ في أماكن الذل، فأخفقوا في الطلب، ونُفُوا عن المراد.
{أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83)}.
تؤزهم أي تزعجهم، فخاطر الشيطان يكون بإزعاج وغُمَّة، وخاطر الحقِّ يكون بَروْحٍ وسكينة، وهذه إحدى الدلائل بينهما.
{فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (84)}.
الأنفاس في الحكم معدودة؛ فمن لم يستوف فلا انقضاء لها. وإذا انتهى الأَجَلُ فلا تنفع بعد ذلك الحِيَلُ، وقبل انقضائه لا يزيد ولا ينقص بالعلل. اهـ.